فوزي عمار
"السوق سيواصل نموه بنسبة 5% سنويًا"، "الوباء لن يصل إلينا"، "هذه الشركة كبيرة لن تنهار أبدا"..
توقعات يكررها الخبراء بثقة، ثم تفشل فشلا ذريعا عندما تضرب "البجعة السوداء" ذلك الحدث الاستثنائي الذي يُقلب كل الموازين. فلماذا نثق بتوقعاتٍ يثبت الواقع يومًا بعد يوم أنها مجرد أوهام؟
نسيم طالب الكاتب اللبناني الأمريكي في كتابه البجعة السوداء (تداعيات الأحداث غير المتوقعة). حيث فكرة الكتاب تشير إلى توقعات الناس أن كل البجع لونها أبيض غير صحيحة دائما، فأحيانا تخرج علينا بجعة لونها أسود.
يشير نسيم طالب إلى أن البشر يرون فقط ما يتوافق مع خبراتهم الماضية، فالخبراء يسجنون أنفسهم في الماضي ويعتمد معظم المحللين على نماذج إحصائية تستند إلى بيانات تاريخية، لكن التاريخ لا يكرر نفسه.
حين قال خبراء الاقتصاد عام 2007 إن "الأسواق آمنة"، كانوا ينظرون إلى 20 سنة من النمو، متناسين أن النظام نفسه يزرع بذور انهياره.
هنالك مثال صادم في 1912، وصفت مجلة Scientific American الغواصات بأنها "اختراع غير عملي"، لأن الخبراء آنذاك لم يتخيلوا أنها ستغير حروب المستقبل.
حديثا، جاءت صدمة أزمة الرهن العقاري، لأن كل التكهنات لم تستطع التنبؤ بها، وخسارة دول كبرى المليارات، حتى مؤسسة عريقة مثل كامبردج كانت تستثمر في آيسلندا التي حدث فيها خسارة بمئات المليارات لم تستطع التنبؤ بالأزمة.
جاء كتاب نسيم طالب ليوضح تجربة مثيرة، حيث أجرى تحليلا لـ 28,000 توقع من خبراء سياسيين واقتصاديين، فوجد أن دقتهم أقل من دقة رمي عملة معدنية.
يقول نسيم طالب: إن الدماغ البشري مبرمج على رفض النادر، فنحن نعتقد أن الكوارث تحدث للآخرين، لذا نُقلل دائمًا من احتمالاتها. قبل انهيار ليمان براذرز 2008، قال رئيسه: لدينا تمويل كافٍ لتجاوز أي عاصفة، لأنه افترض أن العواصف ستكون مشابهة للماضي.
ثم يشير نسيم طالب إلى مفارقة التكنولوجيا، فكلما زادت أدواتنا التحليلية مثل الذكاء الاصطناعي زاد إحساسنا الزائف بالسيطرة، بينما الأحداث الكبرى تأتي من حيث لا نتوقع مثل تأثير فيسبوك وتويتر على ما يسمى بـ "الثورات العربية 2011".
في الخاتمة يطرح طالب سؤالا: كيف نتعامل مع عالم لا يمكن توقعه؟
"المشكلة ليست أن الخبراء يخطئون، بل أنهم لا يدفعون ثمن أخطائهم" يقول نسيم طالب.
فبدلًامن انتظار "نبي" جديد يتنبأ بالمستقبل، علينا أن نتشكك في كل توقع يعتمد على "النمط السابق".
وأن نبني أنظمة تزداد قوة مع الصدمات لا أنظمة هشة تخاف من التغيير. ونستثمر في المجهول، معظم الاختراعات العظيمة (مثل الإنترنت) جاءت من حيث لم يتوقع أحد.
فمثلا اليابان لا تنتظر كوارث الزلازل، بل تبني مبانيها لتكون أقوى بعد كل كارثة.
أخيرًا، يخلص نسيم طالب إلى أن : "في عالم البجعات السوداء، المتواضع الذي يعترف بجهله أقرب إلى البقاء من الخبير الواثق من نفسه".